كيف استطاعت مجموعة من صفحات التواصل الاجتماعي والقنوات الإعلامية ان تزيف الوعي الشعبي بصدد الواقع، في كل من المغرب والجزائر ؟
هذا الواقع الذي بالنهاية، يمكن تلخيصه في انتماء المغاربة والجزائريين ( ان استعرت مفهوم الهوية المتقاطعة في علم النفس الاجتماعي ) الى هوية جامعة لهما : هي الهوية المغاربية ( على الأقل ). لكن الكثير من الناس الذين تم تلويث وعيهم، حتى اصبح الصديق عدوا والعدو صديقا، يرفضون الإيمان بما هو صحيح، وما هو حقيقي، فقط لانه تمت تربيتهم على الخضوع للقوالب الفكرية الجاهزة، والتي لا يستطيعون التفكير خارجها. وهناك من يجد في الطرفين فائدة سياسية وراء هذا الخطاب، اذ يصرف النظر عن المشاكل الداخلية، في كل من البلدين، والتي تدفع نفس الشابين المغاربيين الذين يتراشقان بالسب والشتم، الى ركوب قوارب الموت للإنتقال الى الضفة الأخرى من العالم، بحثا عن واقع أفضل وغد أرغد.
الاجهزة الايديلوجية الإعلامية، مثل التلفزيون او الراديو او الصحافة، لا تنقل لنا الواقع كما هو في الحقيقة، بل تخلق لنا نماذج واشكال احساس وانماط وجود محددة بدقة، فهي تملي علينا بشكل لاواع كيف يجب ان نحس ونشعر ونفكر ونؤمن، عبر عمليات معقدة، يمكن تلخيصها في عملية واحدة، هي الاستدعاء ( كما وضحه الفيلسوف الفرنسي لويس ألتوسير في مقالته المشهورة عن الايديلوجيا والأجهزة الايديلوجية للدولة ).
بل اكثر من هذا، الصحافة ليست سلطة رابعة كما روجت الايديلوجيا النيوليبرالية سابقا للتمويه بوجود سلطة منفصلة عن الرأسمال او مجاورة له، بل أن الصحافة هي من صميم السلطة ومن بنيتها الانطولوجية عينها.
جورج أورويل في روايته 1984 وضع وزارة أساسية هي وزارة الحقيقة، هاته الوزارة المكلفة بتنميط وعي المواطنين، وجعلهم يؤمنون بشيء أو يكفرون بشيء ( فهنالك دوما في أية سلطة، كما يشير لذلك المفكر التونسي فتحي المسكيني، حد لما يمكن ان نؤمن به ونعده صحيحا وما يمكن ان نكفر به ونعده خاطئا ). المشكل الحقيقي يبدأ عندما يعتقد الانسان انه يؤمن بشيء لانه نتاج تجربته الخاصة، فيما هو يؤمن بما أريد له أن يؤمن به، عبر غسيل الدماغ والبرمجة العصبية والتكييف الايديلوجي مع مجموعة من الأفكار التي لو توقف الإنسان لدقيقة واحدة في يومه بغية التفكير فيها لألفى أنها غارقة في الخطأ تماما. فالتسويغ الايديلوجي يمد كل فرد بإليات فكرية لإدراك العالم، ويحاول جعل العالم في ادراكنا، يظهر بغير مظهره الخارجي الحقيقي.
الفلسفة دوما، هي مطالبة صادقة للإنسان حتى يعيد التفكير فيما فكر فيه سابقا، فالفلسفة- على حد تعبير هيغل، هي تفكير في الفكر، وهذا يستلزم التحرر من سذاجة الحشود ومن مسلمات الوعي الساذج conscience naïve، ومعارف الحس المشترك، ومن القناعات الجاهزة التي تمت تربيتنا عليها، أي أن نخرج من مللها وضجرها وموتها النظري، نحو تحمل مسؤوليتنا الذاتية في التفكير والنظر. حتى لا نستنزف طاقتنا في معارك لا ناقة لنا فيها ولا جمل.
اني اكتب هذا وانا على يقين تام، ان موقف النظام الجزائري من الصحراء المغربية، وهو موقف رجعي، لا يمكن ان يؤثر مطلقا في العلاقة التاريخية والثقافية والروحية بين الشعبين
عبد الرزاق أيت بابا، زاكورة.