قراءة في كتاب : ماوراء حجاب لفاطمة المرنيسي



 يمكن تقسيم عمل فاطمة المرنيسي في ( الجنس كهندسة إجتماعية )، إلى محورين أساسيين، الأول يحاول فهم دينامية العلاقة بين الجنسين على المستوى النظري، أي عبر المقارنة المنهجية بين 3 لحظات أساسية من التراث العربي-الإسلامي والتراث الغربي الحديث  « مع التأكيد على تاريخانية الثقافة  »:


1 - مقارنة التصور الإسلامي ( حالة الإمام الغزالي في مؤلفه إحياء علوم الدين )، والتصور الغربي الحديث ( حالة مؤسس التحليل النفسي ستيجموند فرويد ).

2 - مقارنة التصور الجاهلي ( حالة عرب الجزيرة ما قبل البعثة المحمدية ) مع التصور الإسلامي ( خصوصا فيما يتعلق بحقوق الزوجية، والطلاق، وأشكال الزواج ).

3 - مقارنة بين وضعية دينامية العلاقة بين الجنسين في المغرب « القروسطوي » خصوصا عبر الأمثال الشعبية ومغرب ما بعد الاستقلال - عبر النظر في المدونات الفقهية والقانونية للأحوال المدنية، والمثال الذي يحرك النسق الإيديلوجي للثقافة المغربية ( أو ما يسميه الباحث Rachid Achachi  باللوغوس الثقافي التقليدي ).


إن المقارنة التاريخية المنهجية ليست مقارنة عبثية، فهي تساعدنا على إعادة النظر في « المعيارية » التي نقيس عبرها الأشياء، هذا هو جانب « الممارسة » Praxis في « السوسيولوجيا الإلتزامية » والتي هي بالضرورة سوسيولوجيا نقدية، فالإنسان لا يعود إلى الماضي عودة نوستالجية، تمجيدية، لاهوتية، بل يعود إليه حتى يتحرر منه،  فمعرفة ماضي الثقافة او تجارب الطفولة الأولى، أي التجارب الأكثر عمقا، في طفولة الشعوب والأمم، يمكن أن تساعدنا على اختيار أنجع الأساليب التقويمية أو الوقائية تجاه اللحظة الراهنة والمستقبلية. 


سنحاول في هاته القراءة الأولى، تركيز إهتمامنا على هذا الشق النظري بالأساس، على ان نقوم بالتعليق على البحوث الميدانية التي قامت بها المرنيسي في منتصف السبعينات في المستوى الثاني من القراءة. وهذا الفصل المنهجي، لا يحيل بالضرورة، إلى فصل بين البحوث الأساسية والبحوث التطبيقية، وبالخصوص، حين ندرك، أن عمل المرنيسي ينطوي في داخله على ‘’ سوسيولوجيا إلتزامية “ « انظر مداخلة ذ.هناء الشريكي على اليوتيوب ». 


فالكتابة النسائية لدى المرنيسي كانت دوما رمزا للحرية والتعدد والاختلاف والتجاوز داخل وحدة كلية مطلقة، هي وحدة الكتابة، وحدة لا تعترف بثنائية « هامش » أو « مركز ». والكتابة الملتزمة بقضية ما، هي الكتابة التي تعيد تنظيم علاقتنا بالأشياء ومقامنا بالعالم، وخصوصا، مقامنا داخل سؤال الهوية الجندرية. فما معنى « الذكورة » و ما معنى « الأنوثة »، هل هي خصائص سيكولوجية مطلقة تتجاوز الزمان والمكان، أم خاضعة لمنطق الصيرورة والتحول حسب السياقات الثقافية والاجتماعية والتاريخية ؟ 


الهندسة الإجتماعية هي « نظام تحديد أدوار ومواقع  » لكل من الجنسين « نميز هنا كما يقوم بذلك الأدب النسوي بين الجنس sexe و النوع الاجتماعي le genre »، وبالتالي، فالهندسة الإجتماعية هي سلطة autorité، وتراتب قيمي، بين « مركز » و « هامش »، وكل سلطة هي بنية structure تحدد مجال فعلها. فهي تتجاوز الأفراد، بما هم مجال فعلها نفسه. وفي هذا المجال ظلت المرأة دوما على الهامش. سواء تعلق الأمر بالسياق الإسلامي ( فالإمام الغزالي الذي لم يلغ فعالية المرأة، هو نفسه الذي يقرن مباشرة المرأة بالفوضى، المرأة كاووس بالنسبة للكسموس، وطاقة هدم جبارة )، او تعلق بالسياق الغربي الحديث ( توظيف التحليل النفسي لثنائيات مفاهيمية من قبيل « المازوشية والسادية » او « الفعالية والسلبية » في تحليله للذكورة والأنوثة ). يمكن فهم الهندسة الإجتماعية في سياقنا الثقافي، عبر النظر في الانقطاع التاريخي ما بين الفترة « الجاهلية » و « الفترة الاسلامية » على عدة أشكال ومستويات، بما في ذلك شكل ومحتوى، تنظيم العلاقة بين الجنسين، ويمكن الاستدلال على هذا الانقطاع بعدة أمثلة من بينها الرمزي أو المادي، نورد من بينها :


 1- التنافر بين الترسب اللساني المنحدر إلينا من الثقافة الجاهلية في عدة مفاهيم، مثل « الأمة » و « الرحم » و « المروءة » والتي تحيل على التوالي إلى « الأم » و « القرابة » و « الشجاعة »، مع ما يشير إليه هذا الترسب اللساني من مكانة كانت للمرأة العربية زمن الجاهلية.

 

2 - هذه المكانة لا تنفي بعض المظاهر “ الإستلابية “ للمرأة في نفس السياق، خصوصا في بعض أشكال الزواج : زواج الإستبضاع والمتعة والصديقة… الخ والتي سيحرمها الإسلام فيما بعد، مبقيا على العلاقة الجنسية القائمة بين زوجين « الزواج الأحادي بدل الزواج المتعدد » 


3 - بالإضافة إلى هذا، أقر عرب الجاهلية، امتلاك المرأة « حقها في تقرير مصيرها » ( حيث كانت المرأة الجاهلية تطلق زوجها فقط عبر إسدال ستار على باب خيمتها )، وحقها في نسبة الأبناء إليها، وبالتالي نسبة الأبناء الى القبيلة التي تنتمي إليها الزوجة وليس لقبيلة الزوج ( بما في ذلك حالة النبي محمد « ص » الذي ترعرع في قبيلة والدته )


4 - كون المرأة رغم بعض حالات العنف « وإذا المؤودة سئلت … » إلا انها كانت سيدة في قومها وعلى مالها وتجارتها ( ستنتقل الوصاية على المال كما في المذهب المالكي والذي هو المذهب الرسمي للمملكة المغربية الى الرجل « كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته » ) ونموذج زوجة النبي « ص » الأولى « خديجة بنت خويلد » هي خير مثال على المرأة الناجحة في العصر الجاهلي .



عبد الرزاق أيت بابا ( يتبع )

أحدث أقدم